يستعر في الفترة الأخيرة السجال حول وجود اللاجئين السوريين في لبنان لا سيما بعد القرار الرسمي بترحيل العشرات منهم ما أثار جدلاً واسعاً وفتح صفحة جديدة من السجالات.
فبعد انقضاء ستة أشهر على إعلان المدير العام الأسبق للأمن العام، اللواء عباس إبراهيم، وصول عدد النازحين السوريين في لبنان الى مليونين و٨٠ ألف نازح، وفق الإحصائيات لدى المديرية، تغيب الاجراءات العملية للتعامل مع هذا الملف وتتقدم الدعوات الدولية المتعاظمة حول ضرورة الكف عن ترحيل السوريين وليس مستبعداً أن يأتي انفجار الملف بوجه الجميع على خلفية اجتماعية سياسية بفعل الاحتقان المتنامي بين السوريين والمجتمعات المضيفة، ولا سيما في القرى والبلدات اللبنانية.
النازحون الى الواجهة
وعلى وقع احتدام التشنج، اجتمعت اللجنة الوزارية اللبنانية المكلّفة متابعة الملف وناقشت بحسب مصادر "جسور" سلسلة من الإجراءات التي واكبت إعادة الجيش اللبناني بضعة مئات السوريين الذين دخلوا الى لبنان من البوابات غير الشرعية، في عملية منظّمة تقف خلفها شبكات تُتقِن الاتجار بالبشر، بالإضافة إلى سلسلة الإجراءات التي بدأتها بلديات عدة في مناطق جنوبية وفي جبل لبنان لتنظيم الوجود السوري وفَرز الموجودين في نطاق بلدياتهم بطريقة شرعية وقانونية تتصل بالتزامهم بقانونَية الإقامة والعمل وتلك الخاصة بالإقامة غير الشرعية، في ظل تعدّد الأحداث الأمنية التي تسبّب بها نازحون في أكثر من منطقة، خصوصاً انّ بعضها استخدمت في خلاله الاسلحة ما تسبّب بسقوط جرحى من اللبنانيين والسوريين.
قنبلة موقوتة
وعززت الأزمة الاقتصادية المخاوف على الوضع الأمني من باب صدامات قد تحصل بين السوريين واللبنانيين.
وفي هذا السياق، قال وزير الداخلية اللبناني الأسبق مروان شربل، إن "الترحيل يطال السوريين الذين دخلوا خلسة إلى لبنان وكأي دولة أوروبية تعمل على ترحيل أجنبي يدخل خلسة، هذا إذا لم تضعه في السجن وتفرض عليه غرامات".
وأوضح شربل في حديث لـ"جسور" أن "البلد مفلس ولم يعد باستطاعته التحمل اقتصاديًا واجتماعيًا، اللبناني غير قادر على إيجاد عمل وهذا الأمر يخلق حساسية بين السوري الذي يتلقى أموالا من المنظمات الخارجية واللبناني الذي يعيش في لبنان من دون مأكل ولا مشرب".
ورأى أن "من يمنع عودة النازحين السوريين إلى بلادهم هو من يعطيهم الأموال في لبنان، ولأسباب سياسية، ومن يمول ويساعد ويعطي رواتب شهرية هو من يقول ابقوا في لبنان، وعندما ذهب وزير الشؤون الاجتماعية إلى الإتحاد الأوروبي واجتمع معهم وقال لهم لم يعد باستطاعتنا التحمل ولتدفعوا رواتب لهم في سوريا رفضوا هذا الأمر، هناك خلفية سياسية وسوء نية يتحمله الخارج الذي يطالب بحقوق الإنسان"، لافتا إلى أن الحل هو بتقديم المساعدة للسوريين في بلدهم وأن يبنوا منازلهم التي تهدمت.
أمّا وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الاعمال، هيكتور حجار، فقال إنّ "على النازحين ان يحترموا القوانين اللبنانية، وبالمقابل الدولة بأجهزتها ومواقفها السياسية عليها ان تتابع الملفات تحت سقف القوانين واللاعنف والحوار الايجابي وما عدا ذلك هدفه إخراج الملف من إطاره والذهاب الى فوضى ما تُستثمر في الملفات".
سلطة البلديات
هذا الشحن السياسي، يقابله توجّه البلديات إلى المبادرة في فرض سلطتها ضمن نطاقها الجغرافي على السوريين. وفي إجراء جديد، دعت بلدية بنت جبيل، السوريين المقيمين لديها للحضور إلى مبنى البلدية لتسجيل أسمائهم مع أفراد عائلاتهم لدى قلم البلدية، وذلك ابتداء من الأربعاء وحتى الجمعة المقبل مع ضرورة إحضار جميع الأوراق الثبوتية المتعلقة بجميع أفراد العائلة، مع عقود الإيجار في حال وجودها مع الإقامات المسجلة لدى الأمن العام، ودفتر القيادة وأوراق التسجيل. وكل من يتخلف عن الحضور، "يعتبر مقيما غير شرعي وغير قانوني. وعليه سوف يتم ترحيله مباشرة مع عائلته إلى الحدود اللبنانية على المصنع"، وفق بيان البلدية.
بدوه، أوضح رئيسُ بلديّة القاع بشير مطر، في اتصال مع "جسور" أنّ المجمتع الأوروبي يعرقل عودة السوريين إلى ديارهم، ويشجعهم على البقاء في لبنان من خلال المساعدات التي يقدّمها لهم على حساب الشعب اللبناني.
وبيّن مطر أنّ السلطات المتعاقبة في لبنان والوزارات المعنية أكثر من استفاد من الوجود السوري على مدار سنوات، درّ فيها المجتمع الدولي مساعدات بمليارات الدولارات، في التعليم والصحة والغذاء والبنى التحتية، ذهبت هدرًا. كما أن تجييش اللبنانيين ووضعهم بمواجهة مع السوريين بوصفهم "قاطعي أرزاقهم"، يتناسى فيه كثيرون بأن أصحاب المؤسسات هم أكثر من استفاد وما زال من عمالة السوريين الرخيصة، التي توازي السخرة أحيانًا، فاغتنى كثيرون من هذا الواقع الاستغلالي.
وكانت منظمة العفو الدولية دعت السلطات اللبنانية في وقت سابق إلى وقف عمليات الترحيل غير القانونية للاجئين سوريين خشية أن يتعرضوا لتعذيب أو اضطهاد من الحكومة السورية عند عودتهم إلى بلادهم التي تشهد حربا.
وتأتي دعوة المنظمة غير الحكومية بعد أن قامت السلطات اللبنانية بترحيل نحو 50 سوريا إلى بلادهم في أبريل/نيسان، وسط تصاعد المشاعر المعادية للسوريين التي تفاقمت بسبب الأزمة الاقتصادية.