يبدو أن إصرار بلدية جزيّن (إحدى القرى اللبنانية في محافظة الجنوب)، على إقامة محطّة تسبيخ للنفايات العضويّة المموّلة من الـUSAID والتي تحترم الشروط البيئيّة والصحيّة وتقضي إلى تحويل النفايات العضويّة إلى سماد عضويّ، وفق ما أكدّ رئيس اتحاد بلديات جزيّن، خليل حرفوش، في اتصال مع "جسور"، يسلك مساراً تصاعدياً خطيراً بين أبناء البلدة الواحدة.
ورفضاً لإنشاء هذا المشروع، وقع إشكال وتدافع وتضارب بين أفراد من آل الأسمر وأعضاء بلدية جزيّن، منعاً لعقد الجلسة البلدية التي كان أحد أبرز بنودها الاستمرار في تنفيذ معمل النفايات في "عدّوس" واستلام مستوعبات النفايات، وعلى الفور حضرت القوى الأمنيّة والجيش الذين تركوا كل مشاكل لبنان ليقفوا حائط صدٍ بين أبناء البلدة الواحدة.
فساد وشبهات
سجالٌ يبدو أنه سيتصاعد خلال الأيام القليلة المقبلة وفق مصادر "جسور"، وتعقيباً على ما حصل، غرّد النائب السابق المحامي زياد أسود، عبر حسابه على تويتر كاتباً: "فخامة الرئيس العماد ميشال عون، أتعلمون ماذا يفعل رئيس بلديّة جزيّن الممدّد له بأهل جزيّن اليوم بإسمكم وهو حامل بطاقة تياركم؟ هل يخبركم أحد بما يقوم به من تهديد ووعيد وأفعال دنيئة مستغلاً دور البلدية وسلطتها عطلة العيد بحق الناس، اليوم وتباعاً سنعلمكم، ولكن حقاً هل تعلمون وتقبلون؟!
فخامة الرئيس العماد ميشال عون،اتعلمون ماذا يفعل رئيس بلدية جزين الممد له باهل جزين اليوم باسمكم و هو حامل بطاقة تياركم.هل يخبركم احد بما يقوم به من تهديد ووعيد و افعال دنيئة مستغلا دور البلدية و سلطتها عطلة العيد بحق الناس،اليوم و تباعا سنعلمكم و لكن حقا هل تعلمون وتقبلون؟؟
— ziad assouad (@ZiadAssouad) April 15, 2023
وللحديث عن هذا الشأن، أوضح أسود في تصريح لـ"جسور" أنّ "البلدية بشخص رئيسها خليل حرفوش، أقدمت على افتعال إشكالات عدّة في السنوات الأخيرة ضمن عملها البلدي، فهو رجل متعنّد يخفي الأوراق والمستندات الخاصة بالمشاريع ويصرف على هواه كما يتّخذ قرارات مخالفة للقانون تحمل الكثير من علامات الإستفهام حول المصلحة الشخصيّة والغاية منها."
وتابع أسود: "منذ يومين أُوقِفَ المسلخ الذي تبيّن أنه لا يراعي شروط السلامة العامة ولا يخضع لرقابة صارمة وإشراف من قبل الجهات المعنيّة ولا حتى من قبل البلدية عينها، ففي السنوات الماضية شهدنا على حالات تسمّم عدة بين أهالي البلدة ومع ذلك استمرت البلدية بإخفاء الحقائق عن الأهالي"، موضحاً أنّ رئيس البلدية دعا أمس السبت إلى عقد اجتماع لإنشاء معمل نفايات بأعلى نقطة في جزيّن وتحديداً بالقرب من "خزّان المياه" العائد للدولة والذي تحدّه عقارات مختلفة وأسفل "بركة المياه" الأساسية التي تعتبر نبع جزيّن الممتدّ من جزيّن إلى نبع الطاسة، وشهدنا سابقاً محاولات كثيرة لإنشاء معمل، وكان رئيس البلدية نفسه من الرافضين لإقامته في أعالي جزيّن للأسباب التي ذُكرت، فضلا عن اعتراضات أهالي كفرحونة لا سيما أنّ منازلهم تقع بمحاذاة المعمل، ما يعني أن ذلك سيشكّل ضرراً بيئياً وصحياً عليهم."
ورأى أسود أنّ "رئيس البلدية لا يريد أن يسمع، ومع رفضه حوالى 10 أفكار مشاريع طيلة السنوات الماضية بحجّة أنه يمتلك المشروع الأفضل، تبيّن مع مرور الوقت أنه لا يمتلك سوى العرقلة كونه كان قدّ وقّع على عقدِ نقلِ نفايات من جزيّن إلى معمل صيدا بملايين الليرات، وكانت هناك العديد من علامات الإستفهام حول دفتر الشروط بشأن الكمّيات وطريقة النقل والفواتير وغيرها.. " وأضاف: "كي يُخفي هذا الفساد، إبتَدعَ هذا المشروع المموّل من الخارج والذي يفتقر للدراسات المناسبة من دون إطلاع أهالي البلدة على أوراقه ومستنداته وشروطه وفهم الموضوع من الناحيتين العلمية والبيئيّة"، وأكد أسود أن التجربة مع بلدية جزيّن تعدّ فاشلة خصوصاً مع شخص رئيسها.
وفي السياق، تساءل أسود عبر "جسور": "مسلخ للبلدية لم يقم بتنظيفه طيلة الـ 10 سنوات المنصرمة وهو تحت إدارته، فكيف بالحريّ ستكون إدارته لمعملِ نفايات؟!"
فضلاً عن ذلك، حاول استخراج رخصة لهذا المعمل للتنظيم المدني، ورغم أن التنظيم المدني قال له أن هذا المنشأة وهذه الرخصة لا تستوفي الشروط المطلوبة وبالتالي لا يمكننا تسليمك إياها، ولكي لا يقال أننا نحاول عرقلة مشروع معيّن وتصبح المسألة فيما بعد طائفية ومذهبية وغيره، أُعطيت له الرخصة رغم استحواذها على الكثير من الشوائب والثغرات القانونية وبدأ بعمليات الحفر من دون مناقصة وبشكل استنسابي مغفلاً ضرورة الحفاظ على المال العام، بحسب أسود.
وأكد النائب الأسبق، أنّ حرفوش عرقل العديد من المشاريع وحالياً يحاول الهرب وتنظيم اجتماع للمجلس البلدي بمن حضر عبر استدعاء المواطنين على العدد المناسب فقط لتمرير هذا المشروع، وللمصادفة أن هذا المجلس البلدي يتألّف من التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية و3 أعضاء يتبعون النائب الأسبق ابراهيم عازار، لذلك الجميع يشارك في القرارات والإهمال والجميع يغضّ نظره عن الفشل والهدر الحاصل وعن علامات الإستفهام التي تُطرح حول هذا المشروع وغيره من المشاريع نتيجة الفوضى القائمة، فضلاً عن حماية رئيس البلدية من عدة شكاوى ملفتة، أي أنه عندما يتمّ تقديم شكوى ضدّه يحجب الإذن ويعطّل الملف، ففي حق رئيس بلدية جزيّن وفق أسود حوالى 8 دعاوى، وجديدها الدعوة المقامة ضدّه أمام النيابة العامة في صيدا أُحيلت لأخذ الإذن بحقّه .
وأشار أسود إلى أنّ الذين يعترضون على هذا المشروع هم أصحاب العقارات المحيطة، الذين يطالبون مراراً وتكراراً بإطلاعهم على مختلف التفاصيل والدراسات اللازمة له، فهو لم يقم حتى الساعة بإطلاع أهالي البلدة على تفاصيل هذا المشروع ومستنداته والحسابات والقرارات المتعلّقة به محتمياً برئيس التيار الوطني الحرّ، جبران باسيل، ومع احتشاد الأهالي أمام القصر البلدي احتجاجاً على تمرير هذا المشروع والإشكال الذي حصل بين أفراد من آل الأسمر وأعضاء بلدية جزيّن احتمى حرفوش بالجيش كي يتمكّن من الخروج من مبنى البلدية، ومع ذلك لم يُقدّم أجوبة رغم هذا الإعتراض الكبير على لائحة من الأسئلة المطروحة حول هذا الملف، وهذا بطبيعة الحال يزيد من الشبهات وفق أسود.
أكاذيب وأضاليل
وتعليقاً على كلام أسود، أوضح رئيس البلدية "عدم وجود أي اعتراض على إنشاء معمل النفايات في "عدّوس"، وما حصل أمس يأتي في إطار الحركة السياسية اللاأخلاقية من قبل أصحاب المقالع التي أقفلناها نتيجة تأثيرها الخطير على البيئة"، موضحاً أن "كل الدراسات موجودة وأرسلت بدورها إلى جميع الأحزاب والتيّارات وأفراد المجتمع المدني للإضطلاع عليها"، وأنه جاهز لكشف جميع الدراسات أمام من يريد.
وعن ما قيل عن التلوّث الحاصل في المسلخ، أكّد حرفوش أنّ "المسلخ نظيف جداً ويخضع للشروط والمواصفات المطلوبة، وكل ما يقال بخلاف ذلك يأتي في خانة الإفتراءات والأكاذيب والأضاليل."
وقال حرفوش: "من يحاول عرقلة المشروع هو حقودٌ يحاول تدمير منطقته وبلده، ونحن جاهزون للتحاور مع من يريد في هذا الخصوص."
مخاطر التنفيذ
من جهّته، قال العميد المتقاعد، جوزيف الأسمر، أنه يمتلك أراض في المنطقة المقرّرة لإنشاء معمل لفرز النفايات والتي تصرّ البلدية على إنشائه، متحدثاً في اتصال مع "جسور" عن مخاطر التنفيذ، كاشفاً أنه "سيُبنى على ارتفاع 1250 متر فوق أكبر حوض استراتيجي للمياه الجوفيّة في منطقة الشرق الأوسط، وهذا الأمر موثّق، وقام بالدراسات الخاصة به الخبير الجيولوجي، سمير زعاطيطي، وهي موجودة في الجامعة الأميركية وفي العديد من دوائر الدولة."
وشرح أنّ "منسوب المياه في هذا الحوض الجوفيّ يصل إلى 1300 متر، وبالإضافة إلى كل ذلك هناك محطّة للمياه العذبة تستفيد منها العديد من القرى في المنطقة وتبعد 150 متراً عن المكان المقرّر لإنشاء معمل النفايات بمعدّل 120 طن من النفايات يومياً مع العلم أنّ المنطقة مع جزيّن هي بحدود 25 أو 30 طنّ من النفايات يومياً.
ولفت الاسمر، إلى أنّ اعتراض بيت ال أسمر على هذا المشروع لأنهم يمتلكون حوالى 70% من الأراضي ضمن النقطة المخصّصة لإنشاء المعمل، وأيضا عندما نتحدث عن 120 طن يومياً من النفايات فهذا بطبيعة الحال يعني أن حوالى 70 أو 80 شاحنة نفايات ستمّر بحي بيت الأسمر."
وقال الأسمر: "البلدية تراجع حساباتها ومن المرجّح أن تَعدل عن تحديد المكان بحسب ما علمناه، وهناك إصرار من جميع الأهالي على عدم إقامة هذا المشروع كونه لا يمكن أن يمّرر أمام هذا الرفض القاطع، وسنستخدم جميع الطرق القانونية والوسائل المتاحة لمنع إنشاء المشروع ضمن هذه البقعة الجغرافية."
الالتفاف على قرار مجلس الشورى
وكان وزير الداخلية والبلديّات الأسبق مروان شربل قد أحال الشكوى التي قدّمها أعضاء مجلس بلديّة جزين، زياد عون وميشال خالد ومارون الحلو، على رئيسي بلدية جزين - عين مجدلين واتحاد البلديّات، والمتعلّقة بموقع العقار المنوي تخصيصه لإنشاء معمل لفرز النفايات، والذي صدر في حقّه قرار من مجلس شورى الدولة رقم 79/2012 تاريخ 20 ديسمبر/ كانون الأول 2012، القاضي بوقف تنفيذ القرار البلدي رقم 99 تاريخ 14 سبتمبر/ أيلول 2012.
وطالب وزير الداخليّة رئيس البلدية، "التقيّد بمضمون القرار الصادر عن مجلس الشورى وبالقوانين والأنظمة المرعيّة الإجراء ولاسيما قانون البلديات، بالإضافة الى ضمّ موافقة وزارة البيئة بالنسبة الى الموقع المقترح لمعمل فرز النفايات، والإفادة عن الموضوع".
ويأتي قرار الوزير، بعد محاولة رئيس بلدية جزين ورئيس اتحاد البلديات الالتفاف على قرار مجلس شورى الدولة، ومحاولة عقد جلسة جديدة للمجلس البلدي لإلغاء القرار 99 المتعلّق بتخصيص قطعة أرض لإنشاء معمل النفايات واستبداله بقرار آخر، فيما عمد رئيس الاتحاد الى استكمال المناقصة الخاصة بالمشروع، وفضّ العروض بتاريخ 1 فبراير/ شباط 2013، في مبنى وزارة البيئة، في حضور ممثل عن وزير البيئة.
وتُفيد المعلومات، أن 4 شركات شاركت في تقديم العروض: "نيكولا أ.ن.ب"، "جنوب للمقاولات والخدمات"، "أن. تي.سي.سي" بالتعاون مع "أسود - نيجيريا - أسود غروب"، و"سيرفي كور". وتمّ توقيع المحضر من المشاركين تمهيداً لعقد اجتماع في اتحاد بلديّات منطقة جزين يجري خلاله التصديق على توقيع رؤساء البلديات المنضوين في الاتحاد.